قبور الأحياء

من يقرأ العنوان يعتقد للوهلة الأولى أنه عنوان مجازي، أو أن فيه مبالغة تختبئ خلفها قصة من نسج الخيال. لكن، وبكل أسف، نعم؛ كما توجد قبور للأموات توجد في سورية قبور للأحياء أيضاً… قبور لطالما دُفن فيها أهل الفكر والرأي والعلم والأحرار. كيف لا وهي أقبية يملكها الظالمون والمستبدون ليُسكتوا كل صوت دل على النور في عتمة مزرعتهم. لا ننسى ما فعله المجرم حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي من قمع وتهجير واعتقال في عدة مدن سورية. وأغلب من دخل تلك الأقبية ما يزال إلى يومنا مجهول المصير والمكان… ليعود الابن القاصر بشار ويكرر ما فعله أبوه الطاغي ويغيّب أعداداً مضاعفة عما أخفاه المجرم والده. الحقد والاستبداد طبع متوارث عند هؤلاء وحاشيتهم، فقبروا الناس في أقبية سجونهم وساموهم سوء العذاب من ضرب وتقطيع و… تمثيل. تفننوا بعذابهم كما تفننوا في إخفائهم. وتركوا أطفالاً يسألون أمهاتهم بحيرة أين والدنا؟ وقد ينعكس الموقف ويكون المعتقل امرأة، فالظالم لا يفرق ببطشه بين رجل وامرأة وحتى طفل.

للأسف يحدث هذا على أعين عالم يدّعي حماية الإنسان، ومجتمع دولي ذي صوت خجول وُجد، كما يزعمون، لدعم الانسان وحفظ حقوقه. ولكن هذا الجرم يمارَس على شعبنا الأعزل منذ ثلاثة عشر عاماً دون رادع للمجرم.

لذلك أدعو نفسي، وأدعو كل أحرار العالم، إلى أن نقف بجانب أسرانا ونتذكرهم في كل المحافل كما الشهداء، فالشهداء في قبور ربهم الرحيم أما أسرانا ففي قبور الحاقدين الظالمين. كما أدعو إلى الوقوف بجانب أسرهم وأطفالهم ودعمهم في حياتهم العلمية والعملية، علّنا نسد بعضاً من الفجوة التي تركها فقيدهم الحي. وأن نتوارث قضية أسرانا عبر الأجيال كي لا يُنسوا، ونُعرّف بهم في كل محفل، وندعو لهم عند كل صلاة، ونخصص زاوية من إعلامنا لقضيتهم. فكلما ارتفع صوت ذكراهم والمطالبة بهم كلما تزعزع عرش الظالم وأهين.

لن أطيل عليكم. لا لشيء ولكن، وبكل أمانة، لأني لم أجد في اللغة مفردات تصف حال معتقلينا وما يتعرضون له.

واسمحوا لي، في مقالي هذا، أن أتقدم بالشكر والعرفان والامتنان لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، التي أعدّها من الأصوات التي تهز عرش الظالم بوقوفها إلى جانب معتقلينا؛ بالمطالبة بهم، وتوثيق ما يتعرضون له من خلال التواصل مع الناجين، ومساعدة من خرج حياً من تلك القبور بدعمهم وإعادة تأهيلهم. نعم، إعادة تأهيلهم، لأن الذي ينجيه الله من تلك المعتقلات يكون في حال يرثى لها وفي حاجة إلى كل الدعم الجسدي والمادي والعقلي والنفسي.

أقول لإخواني في الرابطة: أنتم إرث عظيم. سيخلد التاريخ إنسانيتكم. لا تتوقفوا ولا تلتفتوا إلى المرجفين وغيرهم. أنتم حقاً قدوة لكل من أراد أن يبني إنساناً. أنتم كالطبيب الذي يشرف على مريضه ويعاني معه حتى يشفى.

نضع أيدينا بأيديكم، حاملين قضية معتقلينا في قلوبنا وعقولنا دون أن نهدأ أو نكلّ أو نملّ. والله وليُّنا ومولانا.

لـ قدري الصوفي
ناجي سوري ومعلم صف سابق – كاتب قصص وشاعر
مهتم بقضايا حقوق الإنسان والمواطنة

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest