مقاومة آثار سنوات من الحزن والقهر، هو ما جعلني أقرر تسمية ابنتي الصغرى
” فرح“.. فأنا رغم جميع الآلام، ما زلت أفضّل التفاؤل، علَّ الحياة تقدم لي أخيراً ما حلمتُ به وأردُته، علَّها تمنحني ما أستحق، وما ناضلت من أجله.. عسى أن تتيمَّن الحياة باسم ابنتي، وتجلب لي الفرح حقاً.. يوماً ما.
في منزل جميل بمدينة الرقة، وُلدتُ لأب وأم يفضِّلان الذكور على الإناث في كل شيء. عشتُ ثمانية وعشرين عاماً بين عائلة تمتلك فانوساً سحرياً مُسخَّراً للذكور، أما الفتاة فهي بالنسبة لهم مخلوق مجهول، مُهمَّش، ضعيف، ولا يجلب لهم سوى الهموم.
كنا ست بنات وثلاثة أولاد.. حُرمنا أنا وإخوتي الفتيات من إكمال الدراسة، ومُنعنا من الخروج من المنزل.. عشنا عزلة عن المجتمع، وصار بيتنا الجميل سجناً نتحيَّن الفرصة الأولى للهروب منه. طرائق التمييز التي عامَلَنا به والداي انتقلت بالطبع لإخوتي الذكور، الذين لم يتوانوا عن تنفيذها بحذافيرها، بل وأكثر. عاملونا كخادمات في جميع الأوقات، ولم نتلقَّ منهم حتى كلمة شكر.
لكنني لم أكره يوماً كوني أنثى، بل أحببتُ نفسي.. وآمنتُ بها.
كلما كانت قسوتهم تؤذيني، كانت قوتي تزداد.. قابلتُ سلوكهم الظالم بالنقاش والمواجهة.. بالمطالبة بحقوقي. راكمتُ كلَّ ما أوتيت من قوة وشجاعة داخل قلبي، رغم محاولاتهم بإقناعي بأنني مخلوق ضعيف لمجرد أنني خُلقت أنثى. وصار لدي هدف في هذه الحياة، هو أن أثبت لهم بأن الفتيات أيضاً قويات، ذكيات، ويستطعنَ أن يعشن ويصادقن ويحببن، دون أن يرتكبن الأخطاء التي يوهمنا المجتمع بأنها مصير حتمي ينتظرنا.
تحمَّلنا -أنا وأختي الصغيرة- ظروفنا القاسية في المنزل، كنَّا مثل يَدٍ واحدة، نُشجِّع بعضنا البعض، دون أن نقتنع بما يُردِّده أبواي وإخوتي على مسامعنا دائماً؛” أنتِ فتاة وهو شاب.. عليك أن تبقي في المنزل حتى يأتي من يتزوجك! “.
كنت فتاة تتشوَّق لاكتشاف الحياة، وفي الوقت ذاته أتألم لامتلاكي الكثير من الملابس في خزانتي دون أن أستطيع ارتداءها لأنني ممنوعة من الخروج، إلا في المرات القليلة التي زرنا فيها أقارب لنا، لكن جميع تصرفاتنا كانت توضع في الميزان، وعيون أهلي لم تكن لتُرفَع عنَّا طوال الزيارة، كنَّا محاصرات دائماً.
تحذير: هذه القصة تحتوي على تفاصيل عن الحرب قد يجدها البعض مؤلمة
لتحميل قصة سمورة يرجى الضغط هنا