بسبب عيشها في تجمعات، أنجزت البشرية جملة من المعايير الأخلاقية ومحددات السلوك (افعل أو لا تفعل) ومفاهيم الصح والخطأ والعدالة والكرامة… إلخ، الضرورية للعيش المشترك وللحد من الطبيعة العنيفة للإنسان. وبهذا المعنى فإن الأخلاق هي الثقافة السلمية في مواجهة السلوكيات العنيفة (لا تقتل، لا تعتدِ، لا تسرق، لا تعذب، لا تُهِن الآخر، لا تتأفف من الوالدين) وما شابه ذلك من أفعال النهي. مجموعة من الوصايا الأخلاقية التي تفيد ضرورة الحفاظ على الحياة والحق ومكانة الإنسان في هذا العالم. ثم جاءت القوانين الوضعية لتؤكد هذه المعايير عبر قانون العقوبات.

ورغم القوانين فإن بعض الأنظمة والجماعات في العالم لا تحترم القيم الأخلاقية للأسف، وترتكب أعمالًا مروعة منافية لها، مثل القتل الجماعي والتهجير القسري والاعتداءات على الأبرياء. تجعلنا هذه الأفعال الوحشية نتساءل عن واقع هذه القيم ومدى التزام البشرية بها وإن كان عدد من يتجاوزها قليلاً، لحسن حظ البشرية.

بدأت بهذه المقدمة التي لا تخفى على فهم الكثير من الناس الأسوياء؛ لأتأمل واقع هذه المعايير على أرض أنتجتها قبل آلاف السنين.

يبدو أن الانحطاط الأخلاقي والسياسي مترافقان، وأحيانًا يسهم الانحطاط السياسي في تفاقم الانحطاط الأخلاقي والعكس بالعكس. فالسلطة الفاسدة والنظم القمعية يمكن أن تتبنى أفعالًا وسياسات تتنافى مع القيم الأخلاقية الأساسية. ومن هنا يبرز دور السياسة كوسيلة لتحقيق العدالة والإنصاف وحماية حقوق الإنسان.

لذا، فالتحرر والتطور يتطلبان العمل على تعزيز القيم الأخلاقية وترسيخها في الثقافة والسياسة. ومهما كان حجم الجريمة الفردية فإنه لا يقاس بحجم الجرائم الناتجة عن الحروب. ولذلك يجب أن تُبنى الدولة على مفاهيم المواطنة والتسامح واحترام الفرد والتعايش السلمي بين الجماعات المختلفة. وعلى الجميع أن يعملوا معًا من أجل تحقيق هذه الأهداف، وأن يقفوا ضد كل أشكال الظلم والانحراف عن القيم الأخلاقية العالمية.

انظروا إلى ما جرّته النظم الحاكمة على سوريا والعراق، والدولة العنصرية على فلسطين، والميليشيات الطائفية على سوريا ولبنان واليمن:

  • يقتل الجيش الإسرائيلي المدنيين ويهجّرهم؛ الأطفال منهم والنساء والرجال في غزة والضفة بذريعة محاربة «الارهابيين».
  • أشلاء الأطفال المنتظرين شراء ربطة خبز أمام باب الفرن تناثرت في الأحياء الشرقية من مدينة حلب جراء برميل متفجر رمته طائرة الجيش الذي من المفترض أن يحميهم ويدافع عنهم.
  • خسر العراق آلاف الأطفال جراء قصف المدن والقرى.
  • في لبنان يهان طفل لاجئ بأمر من أب طفل آخر.
  • تدمّر إيران والميليشيات الطائفية الحياة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.

الانحطاط الأخلاقي والانحطاط السياسي متلازمان، وإن كان الانحطاط السياسي يعبّد الطريق أمام الانحطاط الأخلاقي. ومن يقتل في سبيل كرسي السلطة ليس أهلاً للسياسة وبالتالي هو منحط أخلاقياً وقادر على تعميم انحطاطه. من يقتل وسلاحه عنصري وطائفي ليس أهلاً للسياسة بل هو منحط أخلاقياً وسياسياً في آن معاً. من يصرخ لبيك يا…. ويقتل منحط أخلاقياً وليس أهلاً للسياسة. من يعلن نفسه خليفة ويدمر البلاد والعباد منحط أخلاقياً وليس أهلاً للسياسة. من يرفع شعارات الموت والكراهية ويجنّد الأطفال لقتل أهلهم منحط أخلاقياً.

السياسة حالة مدنية أخلاقية الآن لأنها ما عادت تقوم إلا على فكرة الإنسان المواطن الحر الكريم. كل كفاح من أجل الإنسان الحر الكريم فرداً مواطناً سيداً على هذه الأرض ضد الوسخ التاريخي المتراكم هو كفاحٌ أخلاقي من أجل التحرر. والبديل الإنساني عن الانحطاط السياسي-الأخلاقي هو دولة المواطنة والتسامح واحترام الفرد والجماعات.

نريد صحوة إنسانية لا دعوات طائفية، دولة إنسانية لا دولة طائفية. ندعو لأخلاق إنسانية لا لأخلاق ثأرية طائفية. ويجب أن يكون الكفاح الآن ضد هذه الأنماط كلها من الهمجية.

وإنها تذكرة لمن نسي أو قد ينسى، وليس لمن تناسى ويمضي في غيّه…

سالم أبو النصر
طبيب اسنان ومعتقل سابق مهتم بالشأن العام بسوريا وحقوق الانسان

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest