أنا ابنة عائلة مهتمة بتعليم أولادها، فأصبح هؤلاء معلمين ومدراء في المدارس. وكنتُ الابنة المدللة في البيت، لدي أخ واحد أصغر مني، وبقية أخوتي جميعاً أكبر مني. نحن 5 صبية و6 بنات، إضافة إلى أخين من أم أخرى، ربتهما أمي مثل أولادها، وكلاهما ضباط في الجيش. قتل أحدهما أثناء محاولة انقلاب على النظام في الثمانينات.
نلت شهادة البكالوريا، ثم درست عاماً واحداً في معهد الصف الخاص الذي يخرّج معلمات، تركته حين تزوجت وسافرت مع زوجي إلى ليبيا حيث يعمل حداداً. واصطحبتُ أخي الأصغر معي لأنني لا أتحمل فراقه، فهو توأم روحي. لقد اختفى منذ عشر سنوات، أثناء الحرب في سوريا، ولم نسمع عنه أي خبر بعد ذلك.
كانت الحياة في سوريا رائعة، قبل الحرب، وكنا نمضيها بين حلب وإعزاز حيث بيت جدي الذي نمضي فيه فصل الصيف. حين ننزل إلى إعزاز كان يجتمع كل الأقارب والجيران ونسهر سوية. وكانت لدينا هناك بساتين تين وعنب، نذهب إليها مع الأهل والجيران في الصباح ونقطف الفاكهة التي يأكلها الجميع، فقد كان وضعنا المادي جيداً ولا نحتاج إلى بيع الغلال.
توفي أبي وأنا في الصف السادس، وقد تأثرتُ كثيراً لفقدانه، فكنتُ أقف أمام صورته المعلقة على الجدار، أتحدث إليه وأبكي. لا شيء أصعب على النفس من كلمة يتيم. يعيش معي اليوم، في تركيا، أولاد أختي التي توفت بسبب السرطان، وأنا لا أقول لهم يتامى بل إن أباهم متوفى.
أما أمي فقد توفت حين كنت مقبلة على ولادة ابنتي الثانية. فقد عدتُ من ليبيا لأضع مولودتي في سوريا، وبقي زوجي هناك. كانت أمي تعيش مع أخي الأصغر، بعدما زوّجت كل أولادها وبناتها. في إحدى الليالي استيقظت على أنين أمي من الألم، سألتها عما بها، فقالت إنها ستتقيّأ، فأحضرت لها وعاءً من أجل ذلك، فتقيّأت دماً، ثم اتضح أن كبدها كان ينزف. بعدها بيومين دخلت في غيبوبة
لمدة ثلاثة أيام إلى أن وافتها المنية.
كانت الفترة الأولى من حياتي في ليبيا صعبة عليّ، فأنا في بلد غريب لا أعرف فيه أحداً ولا أفهم كلامهم بلهجتهم الخاصة، واستغربت نمط الملبس الغريب علينا. كان أصحاب البيت الذي نسكنه أم وأربع بنات يسكنّ في البناء ذاته، لا تظهر منهن سوى العيون. ولم يكن عندي تليفون ولا تلفزيون في البيت، فكنت أبقى اليوم بطوله في البيت وحدي، بانتظار عودة زوجي من عمله في المساء.
لقراءة قصة حنين الروح كاملة يرجى الضغط هنا