تضحية المرأة السورية

تضحية المرأة السورية

بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الصراع والأزمات ما يزال الشعب السوري يدفع الثمن بين تهجير وتشرد واعتقال واختفاء قسري، ولا يعرف مصيره إلى أين.

‌            وأنا أود تسليط الضوء على معاناة المرأة السورية في ظل الثورة، لأنها دفعت الثمن غالياً إن كان في سجون النظام أو بعد خروجها من المعتقل. ففقدت الأمن والسكن وسبل العيش وأفراد أسرتها، بالإضافة إلى تعرضها للعنف الأسري والتحرش الجنسي والذل والقهر. فهي تعدّ أبرز الخاسرين في الثورة السورية.

منذ بداية الثورة ظهر انخراط المرأة فيها بشكل واضح. تحدت المخاطر. شاركت في المظاهرات وحملت السلاح ودافعت عن الثورة ووقفت في وجه الطغاة لكن الثمن كان غالياً جداً، فتعرضت للقتل والقمع والاعتقال وأصرت على أن تتابع حراكها من شمال البلاد إلى جنوبها. وأصبحت الزوجة الأخت الابنة تشيّع شهداءها؛ ابنها زوجها أختها أخاها أباها. باختصار باتت تشيّع عائلتها أو ربما تقوم عائلتها بتشييع جنازتها.

المرأة السورية عنيدة قوية تتحدى الأزمات والصعاب دون استسلام، لكنها فقدت مكانتها وهُمّشت أكثر النساء. اعتُقلت واغتُصبت وشُرّدت أو رُمّلت، وأصبحت ثكلى مكسورة الجناح والظهر والخاطر. أي مجتمع ستمثله هذه المرأة وهي لا حول لها ولا قوة؟ للمرأة احترامها ومكانتها في كل العالم إلا في سورية حيث فقدت كل شيء وهي تبحث عن الأمان والكرامة لكنها باتت تصارع مصيراً مجهولاً وصعباً بعد أن كانت تعيش وسط أسرتها وعائلتها مع زوج أو أب يحرسها ويوفر لها احتياجاتها، ثم أصبحت مجبرة على تحمل أعباء الأسرة بعدما فقدت معيلها إما متوَفىً أو معتقلاً أو مختفياً أو مرابطاً في ساحات القتال. المرأة التي استطاعت أن تستوعب قسوة الحرب هي التي تستحق، في المقام الأول، أن تعوَّض عن سنوات القهر.

هناك كثير من النساء ما زلن في سجون النظام ولم يعرف مصيرهن أحياء أم أمواتاً. وبعضهن تتمنين الموت من كثرة الظلم والقهر والذل الذي يمارسه الطغاة في حقهن من تعذيب وشتم واغتصاب. وهناك شهادات لبعض النساء في سجون النظام تبيّن كيف كان الشبيحة يقومون باعتقالهن وتعذيبهن وشتمهن بألفاظ نابية قبل توجيه أي سؤال. كما أن المعتقلة تبقى أحياناً تحت التعذيب عدة أيام حتى تنهار تماماً وتضطر إلى الموافقة على أي تهمة قد توجه إليها من قضايا الإرهاب والتعامل مع فصائل المعارضة ومساعدة الجيش الحر وتهريب السلاح. واتهمت أخريات بالمشاركة في التظاهرات ونشر تعليقات مناهضة للنظام الأسدي. وهناك شهادات تقر بأن قوات النظام في السجون والأفرع الأمنية تمارس الاعتداء والعنف الجنسيين كأداة حرب للقمع لكسر إرادة الشعب السوري.

ولا تنتهي معاناة النساء بمجرد خروجهن من السجن، بل تستمر مع التضييق على حياتهن العائلية وحرمانهن من احتضان أبنائهن مع نظرة حادة قاسية ونبذهن في بعض المجتمعات المتخلفة التي تنظر إلى المعتقلة بأنها وصمة عار لأسرتها. وظلت كثير من النساء في الشارع دون مأوى بسبب رفض أهلها أو زوجها احتضانها. وهنا بدأت معاناة جديدة بعد تخلي المجتمع عنها بدل التخفيف من آثار الظلم والقهر الذي حل بها وقت الاعتقال.

وهناك معتقلات كان لهن دور فعال بعد خروجهن، فساهمن في بناء بعض مراكز دعم الناجيات من الاعتقال والدفاع عن حقوق المرأة السورية من كل الجوانب. فكنّ يقدمن الدعم النفسي للناجية، ويزرعن الأمل والحب والثقة في داخلها، ويخففن من ألم الاعتقال وظلم بعض المجتمعات المتخلفة. كما كان لبعض النساء دور فعال في مجالات السياسة والتعليم لإنشاء جيل قوي متماسك يقف في وجه الظلم والمحتل. ومارست بعضهن مهناً مختلفة لأن الحياة لا تقف ويجب أن تستمر مهما كانت الظروف.

وأخيراً نوجّه نداء لكل الأحرار والحرائر الشرفاء؛ ساعدونا لتحرير بلدنا من الظلم الذي فرضه نظام الأسد بالاشتراك مع الروس والإيرانيين والميليشيات الخارجية لإذلال شعبه الأعزل وقتله وتشريده. دعونا نصرخ بصوت واحد ليسمع العالم كله ويقف بوجه الظلم والاستبداد ضد أهالينا في سورية وفي المعتقلات وإلا سيكون مصيرهم مجهولاً وسيموتون جوعاً وقهراً وذلاً. دعونا نطالب بأعلى صوت بالمعتقلين والمعتقلات لأننا حتى اليوم لا نعرف مصيرهم أحياء أم أمواتاً. وفي الوقت نفسه نخاف على نسائنا وشبابنا وأطفالنا وشيوخنا من الاعتقال بأيدٍ غير أمينة وتحت سيطرة من لا يخاف الله.

إذا لم ننجح في ثورتنا سيُعاد الدور نفسه، بعد عدة سنوات، مع أطفالنا. سيحاول النظام السيطرة على عقولهم وخداعهم وضمهم إلى الصفوف الأولى بكذبة خدمة الوطن ومحاربة العصابات المسلحة. ولهذا السبب يجب أن نكون يداً واحدة وصوتاً واحداً وتعلو صرختنا وتعلو وتكسر الحواجز والقيود ويصل صداها إلى العالم كله وتكون أقوى عندما نطالب بالحرائر والشباب والشيوخ والأطفال بصوت واحد: بدنا المعتقلين.

للكاتبة منى
ناجية سورية ومعلمة صف سابقا، اهوى كتابة القصص والخواطر ومناصرة لحقوق المرأة والطفل

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest