ابنة الثورة
ابنة الثورة أنا. على أحداثها كبرت، وعنها أكتب، وبين تفاصيلها ترعرعت بلا أمل ولا سلام ولا وطن.
لم تبدأ هذه الأحداث الموحشة في آذار عام 2011 بل بدأت في شباط عام 1982، زمن المجزرة الأولى في حماة وما خلفته من شهداء ومفقودين ومعتقلين ونازحين ودمار.
منذ خمسين عاماً تقتل عائلة الأسد الشعب بلا ضمير ولا خوف. مات حافظ فاستلم ابنه بشار الذي استمر على نهج والده. وضع كلاهما المجتمع السوري برمته تحت مراقبة الأجهزة وعقابها فسميت سورية «مملكة الصمت».
مرت الأيام والسنين وبشار الاسد مطمئن ومستمر في نهب خيرات الوطن حتى حادثة أطفال درعا فقام بتعنيفهم لجعلهم عبرة والتذكير بالقبضة القوية وهنا استيقظ الشعب. بتاريخ 15 آذار من عام 2011 ثار الشعب على الطغيان وواجه الظلم. اندلعت الثورة السورية سلمية وضد الطائفية. أنا عربية سورية حرة، وحرية الآخر جزء لا يتجزأ من حرية الذات. هنا سورية. اسمها شام وتكنى ببلد الياسمين. من شرايين قلبها تنبت الطيبة والحنان ويطل قاسيون على وجنتيها. حوران تاريخها العريق، وقلبها حمص، ونبضها حماة، وعطاؤها حلب، وشريانها إدلب، والفرات الوفير ودير الزور درع حصنها. ورغم كل الخراب الذي حصل فيك على مر السنين ستبقى يا وطني جميلاً.
بدأت المظاهرات السلمية مطالبة بالحرية والكرامة فأظهر النظام وجهه الإجرامي بقمع الشعب بالأسلحة النارية والقتل والاعتقال. لم يميز بين شاب أو امرأة أو طفل أو شيخ. بدأ بقصف المنازل والمساجد وحصار الأحياء وقطع عنها أبسط مقومات الحياة مثل الماء والطعام. في أيام حصار منطقتي الجنوبية في الشام كنت أسعى لإيصال مطالب الناس للجهات الخيرية التي تستطيع مساعدتهم، وكانت أكبر مطالبهم رغيف الخبز والماء. كانوا يخاطرون بحياتهم للذهاب الى البساتين المجاورة لجلب الأعشاب السامة وطبخها لإطعام أطفالهم وإسكات جوعهم.
نحن شعب قوي رغم هشاشة ما نملك، وهم ضعفاء رغم مخازن أسلحتهم. نحن سكان هذا الوطن وهم نزلاؤه. كنا قبلهم وسنبقى بعدهم. هم يحاربون للحفاظ على الحاضر الذي كسبوه على غفلة منا، ونحن نحارب من أجل المستقبل.
هذه الارض تدور، ومن سننها أن من يتطلع للمستقبل دوماً ينتصر. لا لأننا نقف ضد الطغيان ولا لأننا ثائرون بل لأن سورية امتحان يومي لضمير العالم، وفي آخر المطاف ستنتصر بهمة شعبها المناضل.
والآن سأروي لكم ما شاهدت في سجون الأسد. تم اعتقالي، وعند مناداتي للتحقيق أخذوني وأنا معصوبة العينين في ممرات لا أعرف أين هي فأحسست بكل جسد لمسته قدماي وشعرت بأنفاس الأحياء المعذبين. تراكمت الأحزان على شكل غصة تلاها قولي للذي يصحبني بأن أنفي امتلأ برائحة الدماء وإنني لا أستطيع التنفس بسبب العصبة التي حجبت الرؤية، فنزعها وتمنيت لو أنه لم يفعل. كان المشهد موجعاً ومبكياً. كانت هناك خمس عشرة جثة عارية. أحصيتها من هول المشهد الذي ما زال أمام عينيّ إلى الآن.
سلاماً على سجون حوت أشد رجال وأعظم وأطهر نساء الأرض إيماناً وثباتاً وكرامة.
إياكم أن تنسوا جرائم النظام ولا تخونوا المعتقلين والشهداء والوطن. الوطن هو الأصدقاء الذين استشهدوا تحت التعذيب واختفوا. قصفوك يا وطني ثم ارتكبوا المجازر والمذابح والاعتقالات. فأي بشر هؤلاء؟
سننتصر سننتصر، رغم الرصاص المنهمر.
عبير ابنة الثورة
ناجية مهتمة بقضايا حقوق الانسان والمواطنة