بعد ما يسمى ثورات الربيع العربي، وبعد انخراط الشعوب في حراك جماهيري مناهض لحكوماتها استمر لأعوام، وبعد متابعات حثيثة للمجريات على الصعيد العربي ومتابعات عن كثب على الصعيد المحلي وأقصد بلدي الحبيب سورية، ولأني سوري دخل في خضم هذه الأحداث وعانى الكثير من آلام الاعتقال والنزوح والتهجير والفراق ككثير من السوريين، ومع وجود رغبة جارفة في التعبير عن الغضب الداخلي ضد ممارسات الحكومة السورية على مدار ما يزيد عن نصف قرن من الزمن من الحكم الشمولي المستبد الظالم، وبالإضافة للحلم المنشود لي ولكل سوري في الوصول إلى دولة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لكل السوريين؛ كانت الصدمة الأكثر إيلاماً من الاستبداد بالنسبة لي، الأزمة التي كانت شريكة المستبدين في مختلف مراحل استبدادهم بهذا الشعب المقهور هي أزمة الوعي!!! نعم يا صديقي هي «أزمة الوعي الفتاكة».
إن الأزمة الحقيقية التي نعيشها في سورية ليست وجود نظام مستبد فقط! بل أيضاً أزمة وعي مدمرة بكل المقاييس كان لها دور كبير في تدمير الثورة وأحلام الشعب المضطهد، وهنا أقصد كل جوانب الوعي (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الديني، التقني، الإعلامي…. إلخ). ولأكون منصفاً يقع جزء كبير من مسؤولية رفع الوعي لدى الشعوب على عاتق الحكومات والنقابات والمؤسسات ذات الصلة، لكن أيضاً هناك مسؤولية على عاتق أفراد المجتمع ومن مختلف شرائحه وفئاته. ومن منطلق أني فرد سوري سأتكلم في هذا المقال عن الجانب الخاص بمسؤولية الأفراد في رفع وعي المجتمع.
قبل أن أدخل في النقطة التي أريد إثارتها أود أولاً أن أناقش ما هي أهم أسباب تدني الوعي لدى الأفراد. من الصعب جداً أن أتناول جميع الأسباب ضمن هذا المقال لكني سأحاول أن أغطي الأهم وفق تجربتي البسيطة. وهي:
- الابتعاد عن القراءة: يعد السبب الرئيسي لتدني مستوى وعي أفراد المجتمع وبالتالي ترسيخ آفة الجهل. ولا بد لي هنا من لفت انتباه القارئ الكريم إلى نقطة هامة وهي أن عدم قدرة الأفراد، ذكوراً وإناثاً، على الحصول على الكتب سابقاً بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، كان العامل الأكبر لعدم قدرة الفرد على زيادة الوعي من خلال القراءة. لكن اليوم، مع وجود الإنترنت ووصول الهاتف الذكي إلى يد كل فرد صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى؛ صارت عملية الحصول على الكتب الإلكترونية سهلة جداً لكن تنقصنا الإرادة فقط. فالأدوات بين أيدينا سلاح ذو حدين وأنت من تقرر هل ستستخدم الحد المفيد أو الضّار.
- عدم الاستفادة من تجارب الآخرين: وهذا السبب متعلق بشدة بالسبب الأول. وهو عدم قراءة تجارب الآخرين والتعلم من الأخطاء السابقة لعدم الوقوع فيها. وهنا أقصد ثورات الشعوب والمجتمعات الأخرى.
- الابتعاد عن فهم الثقافات الأخرى: أقصد هنا ثقافة الطوائف الأخرى، والأديان الأخرى، والمجتمعات الأخرى، سواء أكانت مناصرة لثورتنا أم مناهضة لها. إذ لا يمكن للبشر التعايش مع بعضهم دون فهم الثقافات المختلفة. وكما تعلم عزيزي القارئ ترتبط ثقافة المجتمعات بأمور عدّة مثل ثقافة الطعام، وثقافة اللباس، وثقافة الحوار، وثقافة لغة الجسد، وثقافة القيم المجتمعية السائدة، والكثير من الأمور الأخرى. لذلك عندما نفهم ثقافات الآخرين نستطيع إيجاد قيم مشتركة معهم. ومن خلال ذلك نستطيع إيصال أفكارنا الرئيسية التي تمثل قضايانا المحورية، ومنها قضية الشعب السوري في نضاله ضد الاستبداد.
- ضعف الحوار وقبول الرأي الآخر: وهذه آفة المجتمعات المتخلفة. فعندما أخالفك الرأي أصبح عدواً، وهذا الأمر مدمر في حالتنا التي نعيشها.
خوفاً من الإطالة سأكتفي بهذا القدر من الأسباب وأسأل نفسي وأسألكم: ماذا تعني كلمة معارض للحكومة؟ ما الذي نعارضه؟ ما الهدف من أكون معارضاً؟ أسئلة بسيطة يجب على كل سوري أن يسألها لنفسه. وبالمقابل ماذا تعني كلمة مؤيد للحكومة؟ ما هو الهدف من تأييدي لها؟ لماذا أنا مؤيد؟ كما تعلمون، وبعد ثلاثة عشر عاماً من الكفاح الشعبي غير المنظم حتى الآن؛ لا يوجد وعي حقيقي بهذه المفاهيم سواء لدى المعارضين أو المؤيدين. وإن استمرار عدم الوصول إلى الوعي استمرارٌ لمعاناتنا.
إخوتي السوريين المعارضين؛ يجب أن ندرك، من باب الوعي السياسي، أننا خرجنا ضد نظام سياسي وعسكري مستبد ظالم ولم نخرج ضد الشعب السوري المؤيد من أبناء طائفة ما أو محافظة ما. كل سوري يؤيد النظام ولم يشترك معه في القتل أو التهجير ليس عدواً لنا بل أخ نختلف معه في الرأي فقط. وبما أنني أطالب بحرية أن أعارض جهة ما يجب عليّ أن أتقبل أن يكون هناك مؤيد لهذه الجهة، طالما أنه لم يشترك في إيذاء معارضيه بالقتل والتهجير، فهذا حق مشروع لمن أراد. بالإضافة إلى ذلك نحن لم نخرج ضد طلاب أنهوا دراستهم أو ما زالوا يدرسون أو سيدرسون في الجامعات السورية التي تقع في مناطق سيطرة النظام. وأيضاً لم نخرج ضد تجار سوريين يعملون في مناطق سيطرة النظام ما لم تستخدم هذه الأموال في دعم عمليات القتل والتهجير. إخوتي؛ ما خرجنا ضد عرق أو طائفة أو مذهب، نحن خرجنا ضد نظام سياسي مستبد أجرم في حق كل معارضيه من مختلف الأعراق والطوائف السورية على مدى نصف قرن من الزمن.
في الختام، الخاسر الوحيد من أزمة الوعي التي نعيشها هي سورية والسوريون فقط. ولتخفيف الآثار علينا جميعاً أن نعمل على نشر الوعي بكل الوسائل المتاحة وبالجهد الكامل لتغيير الواقع المتردي في كافة المجالات. يحتاج بناء الوعي إلى مدة طويلة وإلى تضافر جهود مختلف القطاعات، وأكثرها تأثيراً وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. لذلك لنعمل معاً من أجل سورية لكل السوريين.
لـ وسام الزين
( ناجي سوري وضابط سابق – مهتم في علوم الأمن والسلامة في القطاع الإنساني) كاتب ومحلل